مسكنات الألم .. وتأثيراتها الجانبية علي جسم الأنسان

مسكنات الالم

مسكنات الالم

السيطرة على الألم جزء مهم من الطب المعاصر، والأدوية (المستحضرات) الافيونية opioid تؤمن عملها الممتاز هنا، الا ان الامساك يظل احد تأثيراتها الجانبية.

الناس الذين يواصلون حياتهم غير عابئين بالاوجاع الصغيرة او الآلام، يستحقون الاعجاب. الا ان المكابرة، ان حدثت لوقت اطول، يمكنها ان تشكل خطأ كبيرا.

وفي بعض الاحيان فان الألم هو اشارة تحذير مهمة على وجود مشكلة خطيرة تتطلب علاجا مبكرا. فالنوبة القلبية التي تعبر عن نفسها بألم في الصدر هي مثال واضح على الألم المهمل الذي يؤدي الى نتائج وخيمة. والتعرف المبكر وعلاج بعض الحالات المؤلمة، مثل الصداع النصفي (الشقيقة)، يمكنهما ان يمنعا تفاقمها.

والصداع النصفي المعالج بحبة دواء حال بدئه، يمكنه ان ينتهي بسرعة نسبيا. ولكن وحتى الألم الخفيف قد يؤدي الى نتائج خطيرة، ان لم يتم الاهتمام به.

الآلام المستمرة تقود بعض الناس الى الكآبة
وقد بدأ الباحثون بالعثور على مناطق مشتركة في كيميائية الدماغ بين الكآبة والالم. والآلام الناجمة عن التهاب المفاصل يمكنها ان تغير شكل انتصاب القامة واتزان الجسم، ولذلك فان الوقوع على الارض يبدو اكثر احتمالا.

ومن الصعب التمتع بالنوم ان كنت تكافح الالم، وهذا ما يولد دورة محمومة، اذ ان الالم غالبا ما يزداد سوءا عندما يحرم الانسان من النوم.

تقدم العمر
وكلما ازددنا سنا، فان الالم والسيطرة على الالم، يصبحان مشكلة بحد ذاتها. والكثير من الظروف التي تسبب الالم، تؤثر بشكل غير متناسب، على الاشخاص في سن 65 سنة تقريبا. وفي بعض الاستطلاعات، ذكر نصف المشاركين في عمر 60 سنة واكثر، انهم يعانون من ألم مزمن.

اننا ننسى احيانا ان السرطان هو بالدرجة الرئيسية مرض الانسان المسنّ او العجوز، اذ ان نحو 70 في المائة من الوفيات بالسرطان تحدث لدى الاشخاص الذين تبلغ اعمارهم 65 سنة واكثر. والسرطان في مراحله المتقدمة، يكون غالبا ما مؤلما، ولذا فان آلام السرطان هي مشكلة الاشخاص المسنين.

العديد من الظروف يمكنها اطالة او تضخيم الألم، مثل الارق، وهي تضحى شائعة مع تقدم العمر. ومع ازدياد هشاشة الصحة الجسدية والعقلية مع تقدم العمر فان مقدرتنا على التصدي لضربات الالم ووخزاته، تضمحل كذلك.

ولو قدر لشخص شاب ان يقع ارضا بسبب أذيّة في ركبته، فان النتيجة قد لا تتعدى اصابته بخدوش او رضوض. ولكن لو وقع شخص مسنّ له نفس الأذيّة في الركبة، فان هناك نسبة اعلى في ان يتعرض الى كسر في عظم الحوض يهدد صحته.

وهذا كله يحدد اهمية علاج الألم الفعال، لكل الاعمار في الواقع، ولكن بالأخص للاشخاص المسنين. الا ان ذلك ليس من دون مقابل، لأن اكثر مسكنات الآلام فاعلية المتوفرة، لها تأثيرات جانبية تظهر بشكل متكرر وبشكل شديد لدى الاشخاص المسنين.

والطب مليء بالاعمال المتوازنة: الا ان الحصول على مخففات للالم، وفي نفس الوقت التقليل من تأثيراتها الجانبية، يعتبر من اصعب الامور.

تسكين الألم
افضل الخيارات لتسكين الالم هو ما يتحدد بالطبع، بالسبب الذي يؤدي الى حدوث الالم. فإن حدث الوجع اصلا في عضلات الرقبة او الظهر، فان الادوية المساعدة على استرخاء العضلات يمكنها المساعدة. اما الاستخدام الحكيم لحقن الكورتيزون فيمكنه ان يساعد في تخفيف الم المفاصل.

ولكن وفي معظم الحالات فان نوعا ما من مسكنات الالم، يظهر في الصورة. والاستراتيجية المعهودة هي البدء بالادوية التي غالبا ما تكون معروفة باسمائها التجارية لانها تباع من دون وصفة طبية: الاسيتامينوفين (تايلينول) acetaminophen، آيبوبروفين (أدفيل، موترن) ibuprofen Advil, Motrin، “نابروكسين” (اليف) naproxen Aleve ، بل وحتى ذلك الدواء الواقف دوما على اهبة الاستعداد، الا وهو الاسبرين.

وأي واحد من هذه الادوية ليس خاليا تماما من التأثيرات الجانبية ، الا انها سليمة عموما ان تناولتها لفترات قصيرة (لعدة اسابيع وحتى اشهر) بالجرعات الموصى بها. والاسبرين و”آيبوبروفين” و”نابروكسين” ترتبط كلها بتأثيرات جانبية ملموسة لدى الاشخاص فوق سن 70 سنة.

فنزف المعدة ومشاكل الكلى، وازدياد حالة عجز القلب سوءا هي بعض الاحتمالات. وعلى الاشخاص المسنين استشارة اطبائهم قبل تناول الادوية لفترة طويلة من الزمن.

ادوية قوية
الافيون، المسحوق المر البني اللون المصنوع من نبات الخشخاش، كان يستخدم لتخفيف الآلام لآلاف السنين. والمورفين الذي يصنع من الافيون، تم استخلاصه قبل 200 سنة ويظل افضل مسكنات الالم. ويسمى أي دواء، سواء كان طبيعيا او صناعيا، له خصائص مماثلة للمورفين باسم الادوية (المستحضرات) الافيونية opioid.

ويستخدم تعبيرا الادوية المخدرة والادوية الافيونية لوصف نفس الادوية احيانا، الا ان مصطلح الادوية المخدرة له تاريخ قانوني وتنظيمي، بينما لا ينطبق ذلك على المستحضرات الأفيونية، ولذلك فان المستحضرات الافيونية هو مصطلح مفضل لدى اختصاصيي ادارة الألم.

وبعض المستحضرات الافيونية التي تستخدم الى جانب المورفين تشمل “كوديين” codeine، “هايدروكودون” hydrocodone الذي يتوفر فقط بالدمج سوية مع الاسيتامينوفين (لورتاب Lortab ، فيكودين)، “هايدرومورفون” hydromorphone (ديلاوديد (Dilaudid، “فينتانيل” fentanyl (دوراجيسيك Duragesic، “ميبيريدين” meperidine (ديميرول Demerol)، “اوكسيكودون” oxycodone المتاح لوحده او سوية الاسبرين(بيركودان (Percodan او مع الاسيتامينوفين (بيركوسيت Percocet)، والميثادون methadone.

والمورفين ( MS Contin وغيره من الماركات)، وال”اوكسيكودون” (oxycontin وغيره من الماركات)، متاحة على شكل حبوب تفرز دوائها باستمرار.

اما “ترامادول” (آلترام) (Ultram) tramadol الذي لا يصنف في خانة المستحضرات الافيونية رغم انه يوجه مفعوله على المستقبلات الافيونية، فهو مساعد على وجه الخصوص لآلام القدم التي يعاني منها المصابون بمرض السكري والاشخاص الذين يتناولون الكحول بكثرة.

لقد تمايل البندول (الرقاص) الى الخلف والى الامام في ما يخص المورفين و المستحضرات الافيونية. ففي القرن التاسع عشر كان الاطباء يقدمون للمرضى كل انواع الادوية الحاوية للمورفين.

وفيما بعد ادت المخاوف من الادمان علي المورفين الى تخوف الاطباء والمرضى من هذه الادوية المخدرة كما كانت تسمى في السابق.

ولكن ومنذ الثمانينات من القرن الماضي عادت الادوية المماثلة للمورفين الى الواجهة عندما اخذ الاطباء والجمهور يعترفون بأهميتها في السيطرة على الالم. والحقيقة هي ان احدا لم يتقدم بمسكن للآلام افضل من المورفين وابناء عمومته في الكيمياء.

ولا يزال هناك الكثير من القلق بشأن المستحضرات الافيونية، خصوصا استخدامها لامد طويل للآلام المزمنة غير تلك المرتبطة بالسرطان.

ولأن الجسم يتعود عليها، لذلك يجب زيادة الجرعات للحصول على نفس التأثير. وبعض الناس يصبحون اكثر حساسية للألم بعد استخدامهم الطويل لهذه المستحضرات، فيما تفترض بعض الدراسات ان التوسع في استخدامها يمكنه كبح جهاز المناعة والاخلال بمستويات الهرمونات.

ولكن وحتى الاستخدام قصير المدى للمستحضرات الافيونية يولد المشاكل، ومن ضمنها مشكلة اعاقة حركة الامعاء المنتظمة.

مليّنات الامعاء
وتؤدي المستحضرات الافيونية مهمتها لانها تعتمد على قدرات نظامنا الطبيعي لمكافحة الألم. ففي اوقات الاثارة وبذل الجهد فاننا نفرز الاندورفينات endorphins والمواد الكيمائية الاخرى المرتبطة معها التي تذهب الى المستقبلات في مناطق الدماغ التي تقوم، فيما تقوم، بالتحكم في الالم، وتنظم مزاجنا.

والاندورفينات مسؤولة عن حدوث شعور بالارتياح الكبير لدى بعض الناس عند اجرائهم للتمارين الرياضية، وكذلك جزئيا، عن المتعة الذي نحصل عليها من العملية الجنسية.

والمورفين والمستحضرات الافيونية الاخرى تخفف الالم بعد ان ترتبط مع بعض من هذه المستقبلات التي ترتبط بها الاندورفينات عادة.

وغالبية المستقبلات تقع في الدماغ او الجهاز العصبي المركزي، الا ان بعضها موجود في الامعاء.

وعندما ترتبط المستحضرات الافيونية المسكنة للآلام مع هذه المستقبلات الاخيرة، فانها تبطئ عملية التمعج peristalisis (موجات متعاقبة من التقلص اللارادي تحدث في جدران الامعاء فتدفع محتوياتها الى الامام) التي تدفع محتوياتها عبر الامعاء الدقيقة ثم الغليظة نحو فتحة الشرج.

ويحتوي خروج الفضلات عادة على 60 في المائة من الماء الا ان انعدام التمعج يؤدي بالقولون الى امتصاص كميات اكبر من الماء الامر الذي يحول الفضلات الى كتلة صلبة. والى جانب الامساك تشمل الاعراض ظهور الغازات والغثيان- والالم، أي نفس الامر الذي يفترض بالمستحضرات الافيونية ان تمنعه.

كل المستحضرات الافيونية تسبب الامساك. وال”فنتانيل” الذي يعطى عن طريق لصقة جلدية هو خيار يقدم للاشخاص الحساسين جدا من الامساك بسب المستحضرات الافيونية، الا انه لا يمثل حلا كاملا (لهذه المشكلة).

والقاعدة السائدة، هي انه ان كانت انواع المستحضرات الافيونية تعطى بجرعات توفر نفس التأثير في تسكين الالم، فانها تسبب نفس مقدار الامساك تقريبا. وفي اطار تخفيف الألم فان 30 مليجراما من المورفين عن طريق الفم، يقابل 20 ملجم من ال”اوكسيكودون” المتناول ايضا عن طريق الفم، و7.5 ملجم من “هايدرومورفون” المتناول عن طريق الفم. وكل هذه الجرعات او مضاعفاتها تقود الى نتائج متماثلة في التسبب في الامساك.

وبدلا من عقد الآمال على العثور على مستحضر افيوني لا يقود الى حدوث الامساك، يقول اغلب الخبراء ان الاستراتيجية الافضل هي محاربة التأثيرات الجانبية بتناول المليّنات والمسهلات، حال البدء بتناول المستحضرات الافيونية.

وبعض الاطباء والصيادلة لا يعلمون بذلك او انهم يقللون من شأن الامساك بوصفه عرضا بعيد الاحتمال، او انه لا يسبب عدم الارتياح، في الوقت الذي قد يصبح فيه متفاقم الحالة.

ولذلك فان اتخاذ اجراءات وقائية مهم للاشخاص المسنين لانهم بكونون مقعدين على الاغلب ومصابين بالجفاف، وهما حالتان تزيدان في حدوث الامساك.

ان تناول الكثير من الماء هو وصية صالحة لكل الاحوال، الا ان بعض المرضى المعانين من الآلام يجدون صعوبة في تنفيذها. اما اختيار انواع الملينات والمسهلات فتلك مسألة اخرى(اذ قال احد الخبراء الذين اتصلنا بهم بان القرار هنا هو “حقل بلا معطيات وغني بالآراء”).

ولان الهدف هو تليين الفضلات وتحريكها فان ملينات مثل docasate Colace وغيره من الماركات) والمسهلات المحفزة للامعاء مثلbisacodyl (Dulcolax) او senna هي الموصى بها عادة.

وان لم تؤد مهماتها فان “مسحوقا” يتألف من خرز الغليكول البولي اثلينية (Miralax وغيره من الماركات)، و lactulose وحليب المغنيسيا، او سترات المغنيسيوم قد تصبح ضرورية.

اما العوامل الكبيرة مثل psyllium Metamucil وغيره من الماركات) فتقود في الواقع الى جعل الامور اسوأ، في حالات الامساك الناجمة عن تناول المستحضرات الافيونية.

بــــــدائل
البديل للمسهلات، هو نوع من العقار يمنع المستحضرات الافيونية من الارتباط بالمستقبلات في الامعاء بينما يسمح لها بالارتباط بالمستقبلات التي تولد تسكينا للآلام.

ويستخدم ال “نالوكسون” naloxone (Narcan) الذي يمكن حقنه، لمكافحة الجرعات العالية للهيرويين والميثادون، وهو يستخدم احيانا بشكله السائل لعلاج حالات الامساك الشديدة التي تنجم عن تناول المستحضرات الافيونية.

الا ان جرعاته العالية يمكنها ان تبطل مفعول المستحضرات الافيونية المسكنة للالم.

اما methylnaltrexone و alvimopan فانهما عاملان تجريبيان يمنعان وجود المستحضرات الافيونية في الامعاء، وهما لا يعرقلان عمليات تسكين الآلام. الا ان أي منهما لم يحصل على اجازة من وكالة الغذاء والدواء.

وفي عام 2007 اوقفت اختبارات مصيرية على alvimopan فجأة لان المعطيات اشارت الى ان العقار قد يسبب نوبات قلبية . الا ان العقار قد يفوز بمصادقة الوكالة لاستخدامه لفترة قصيرة بعد اجراء عمليات جراحية في الامعاء.

حالة صحية.. واسعاف طارئ
رجل مسن عمره 87 سنة يعاني من حالة عجز في القلب مسيطر عليها بشكل جيد، ومن تضخم غدة البروستاتا، ومن ضعف في البصر، ينهض في الليل ليفتح ستائر نافذته.

الا انه يتعثر بمدفأة صغيرة وضعت على الارض، ويسقط ويؤذي ظهره المتأذي اصلا.

وقد وصف له مسكن “فيكودين” Vicodine القوي للألم، وهو دواء مركب له صلة كيميائية بالمورفين والأستامينوفين. وبعد بضعة ايام عانى الرجل من آلام بسبب الامساك، ونقل على متن سيارة الاسعاف الى ردهة الطوارئ في المستشفى.

وحالما ادخل الى المستشفى فان الرجل المسن اعطي عددا من المسهلات، كما وضعت له تحاميل شرجية كما أجريت له حقنات في الشرج. الا انه ظل يعاني من تصلب الفضلات وهي الحالة التي تصبح فيها الفضلات الصلبة الجافة متكتلة قي الجزء السفلي من القولون.

واخيرا اخذت الممرضة بازالة بعض من الفضلات يدويا، ثم اخذ المريض باستعادة حركات الامعاء.

واخرج من المستشفى بعد عدة ايام ووضع في منشأة صحية اخرى وواصل تناول المستحضرات الافيونية لتسكين الالم، سوية مع بعض الملينات والمسهلات.

مقالات ذات صلة